شهد اليومان الأولان للمسابقة الرسمية بالدورة السابعة عشرة لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية عرض فيلمين في اليوم ، إذ تم افتتاح العروض بفيلم "الصوت الخفي" للمخرج المغربي كمال كمال والذي كان قد فاز به بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، ليليه عرض فيلم "بين المطرقة والسندان" للمخرج الكونغولي أموك ليمرا.
وأثناء نقاش فيلم "الصوت الخفي" في صبيحة اليوم الموالي بدا أن أغلب، إن لم نقل كل المتدخلين، أحبوا الفيلم، لكني لا أخشى أن أكون خارج السرب حينما أجدني رغم كل المجهود المبذول فيه، ورغم الطموح الكبير لمخرجه كمال كمال ، ورغم الرؤية الفنية التي أبان عنها بكونه ظل في نفس المسار الذي ابتدأه في فيلمه الثاني "السمفونية المغربية" ، والذي أحترمه كثيرا كوني ممن يفضلون المخرجين أصحاب الرؤية الفنية الواضحة، عاجزا و للمرة الثانية - بعد مشاهدة أولى خلال المهرجان الوطني - عن الدخول في الفيلم، وذلك عن وعي، فكثرة الرموز أثقلت الفيلم وجعلته ينوء تحت ثقلها عوض أن تكون نابعة من داخل الفيلم وجزءا من نسيجه ، الأداء التمثيلي أيضا بدا لي مبالغا فيه وكأنني بالمخرج لم يحاول ضبط الممثلين وتوجيههم خصوصا فيما يخص تلك الصرخات التي كانت تتجافى – في نظري – مع خصوصيات الأداء التمثيلي في السينما وتقترب مما هو مسرحي أكثر…
النفس الإنساني كان سيكون أكثر حضورا لو أن المسارات قُلصت، ولو أن المخرج ركز فقط على مسارين عوض المسار الثالث الذي فرضه ربما ذلك الإصرار للمخرج على المضي في عشقه للموسيقى إلى أبعد الحدود… إذ بالنسبة لي كان مسار الأوبرا مشوشا على الحكي أكثر، من كونه مكملا للمسارين الرئيسيين...
أما اليوم الثاني من المسابقة الرسمية فشهد عرض فيلمين آخرين هما فيلم "العفو" للمخرج الرواندي جويل كاريكيزي وفيلم "فيلا 69" للمخرجة المصرية إيتن أمين.
فيلم "العفو" فيلم لا يحمل أي ادعاء جمالي مبالغ فيه لكنه يشعرك وأنت تتبع لحظاته بنفس إنساني يجذبك ولايدعك تلتقط أنفاسك حتى مشاهده الأخيرة، وهو يحكي عن علاقة صداقة بين شخصين فرقتهما حرب التطهير العرقية في رواندا إلى درجة أن أحدهما تورط في جرائم في حق أسرة الآخر، لكن الفيلم ينتصر في الأخير لمنطق المصالحة والعفو والتطهير.
أما فيلم "الفيلا 69 " فلا يمكن الحديث عنه سوى في إطار ماتشهده السينما الحالية من مشاكل، إذ في خضم الأزمة الخانقة التي تشهدها السينما المصرية حاليا يتمكن بعض الشباب من صنع أفلام مختلفة عن السائد في السوق السينمائي بمصر، والتي كان من شبه المستحيل إخراجها في أوج ازدهار السينما التجارية، من بين هذه الأفلام التي اصطلح مؤخرا على تسميتها بالسينما المستقلة، عرض هذه الليلة في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة الفيلم الجميل "فيلا 69 " للمخرجة أيتن أمين، وهو فيلمها الروائي الطويل الأول بعد ثلاثة أفلام قصيرة هي ""رجلها"، "أعرف من هي"، و"ربيع 89 " …حاولت المخرجة في فيلمها هذا الثورة على فكرة "الحدوثة" السائدة في مجمل الأفلام المصرية ، مركزة إهتمامها على طبيعة الشخصيات المختلفة الطبائع والأهواء والأعمار والتي تلتقي في فيلا واسعة بحي راق حيث تدور كل أحداث الفيلم، وحيث كانت تقيم الشخصية الرئيسية (حسين) منعزلة عن العالم في انتظار موتها المحقق، لكن قدوم هاته الشخوص سيغير بالتدريج من نظرة حسين للواقع، ويجعله في آخر مشهد من الفيلم يقرر الخروج من عزلته إلى العالم والناس .
إستطاعت أيتن عامر توضيف الموسيقي بذكاء وحس مرهفين، الأمر الذي جعلها تكون شخصية إضافية في الفيلم من دون أن تشوش لاعلى جو الفيلم الحميمي ولا على بناء الفيلم الذي يبدو أنه كتب بعناية من طرف كاتبين للسيناريو لم تكن المخرجة من بينهما رغم أن كاطالوغ المهرجان يقدمها كمخرجة وكاتبة سيناريو...